10 مايو 2025 | 12 ذو القعدة 1446
A+ A- A
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 11 من `ذي القعدة 1446 هـ - الموافق  9 / 5 / 2025م

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 11 من `ذي القعدة 1446 هـ - الموافق 9 / 5 / 2025م

09 مايو 2025

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 11 من ذي القعدة 1446 هـ - الموافق 9 / 5 / 2025م

الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَصُوَرُهُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102]. وَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَوْجَبَ الْوَاجِبَاتِ، وَأَعْظَمَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّاتِ: تَوْحِيدُ اللَّهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ إِذْ هُوَ أَوَّلُ أَمْرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: ] يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ [البقرة:21]، وَمِنْ أَجْلِهِ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ [الذاريات:56]، وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ فَأَعْظَمُ الذُّنُوبِ خَطَرًا، وَأَشَدُّهَا عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ إِفْسَادًا وَضَرَرًا: الشِّرْكُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَتَسْوِيَةُ الْمَخْلُوقِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، ذَلِكُمُ الذَّنْبُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ، وَالْخَطَأُ الَّذِي لَا يَرْضَى بِهِ اللَّهُ وَلَا يَقْبَلُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [ [النساء:48]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»؛ فَالشِّرْكُ إِخْلَالٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَتَنَقُّصٌ لِمَقَامِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَسُوءُ ظَنٍّ بِرَبِّ الْبَرِيَّةِ؛ إِذْ حَقِيقَتُهُ: تَسْوِيَةُ النَّاقِصِ الْفَقِيرِ الذَّلِيلِ بِالْمَلِكِ الْغَنِيِّ الْجَلِيلِ.

وَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَأَبْغَضَهَا إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، سَدَّ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ جَمِيعَ الْأَبْوَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَحَمَى حِمَاهُ مِنْ كُلِّ وَسِيلَةٍ تُوقِعُ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ: مَا سَمَّاهُ بِالشِّرْكِ الْأَصْغَرِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ فِي كَوْنِهِ لَا يُخْرِجُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ، وَلَا يُحْبِطُ سَائِرَ الْأَعْمَالِ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ السَّيِّئَاتِ وَالْآثَامِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُورِدُ الْمَهَالِكَ الْعِظَامَ؛ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »إِنَّ ‌أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ ‌الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، فَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ مَخُوفًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كَمَالِ عِلْمِهِمْ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ، فَكَيْفَ لَا يَخَافُهُ وَلَا يَهَابُ الْوُقُوعَ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَأَقَلُّ مِنْهُمْ فِي الدِّيَانَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْفَهْمِ؟!.

وَإِنَّمَا كَانَ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ مَخُوفًا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ لِشِدَّةِ خَفَائِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ النَّاسِ فِيهِ؛ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى صَفَاةٍ سَوْدَاءَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ).

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:

وَإِنَّ مِنْ أَكْثَرِ صُوَرِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ انْتِشَارًا وَأَعْظَمِهَا تَفَشِّيًا: الرِّيَاءَ، يُزَيِّنُ الْإِنْسَانُ أَعْمَالَهُ مِنْ أَجْلِ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: »أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. فَقَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ« [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَيُشْبِهُ ذَلِكَ: مَا لَوْ فَعَلَ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ بِقَصْدِ نَيْلِ حَظٍّ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا؛ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (إِنَّ أَقْبَحَ الرَّغْبَةِ أَنْ تَطْلُبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ )؛ فَاللَّهُ تَعَالَى ذَمَّ فَاعِلَهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَخْبَرَ بِحُبُوطِ عَمَلِهِ؛ فَقَالَ: ]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ [هود:15-16].

وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ: الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَحَلِفِ الْإِنْسَانِ بِأَبِيهِ أَوْ بِأُمِّهِ أَوْ بِالْأَمَانَةِ أَوْ بِالنِّعْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَحْلِفُ: لَا وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنْ يُعَظِّمَ اللهَ تَعَالَى فِي أَلْفَاظِهِ، وَيَتَجَنَّبَ مَا لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْعِبَارَاتِ وَالْكَلِمَاتِ، وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ الْقَائِلِ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَقَوْلُهُ: لَوْلَا اللهُ وَفُلَانٌ. وَقَوْلُهُ: عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْكَ، فَيَأْتِي بِالْوَاوِ الْمُوهِمَةِ لِتَسْوِيَةِ الْخَالِقِ الْكَبِيرِ بِالْعَبْدِ الْفَقِيرِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ. فَقَالَ: «جَعَلْتَنِي لِلَّهِ عَدْلًا، بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْإِنْسَانُ بِـ (ثُمَّ)؛ لِمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ: نِسْبَةُ النِّعَمِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ إِذِ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الِاعْتِرَافُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَإِنْعَامِهِ، وَالْقِيَامُ بِشُكْرِهِ عَلَى كَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَمَّا الْغَفْلَةُ عَنْ ذَلِكَ، وَنِسْبَةُ النِّعْمَةِ إِلَى غَيْرِ مُولِيهَا وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ؛ فَشِرْكٌ أَصْغَرُ، وَكُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ[ [النحل:83]، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (إِضَافَةُ النِّعَمِ إِلَى غَيْرِ الْمُنْعِمِ بِهَا بِالْقَوْلِ؛ كُفْرٌ لِلْمُنْعِمِ فِي نِعَمِهِ، وَإِنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ يُخَالِفُ ذَلِكَ).

عِبَادَ اللهِ:

وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ الْمُنْتَشِرَةِ: تَعْلِيقُ التَّمَائِمِ وَالْقَلَائِدِ وَالْخَرَزَاتِ، يَظُنُّ صَاحِبُهَا أَنَّ بِهَا يَدْفَعُ الْحَسَدَ وَالشَّرَّ، وَيَحْتَرِزُ بِهَا مِنَ الْعَيْنِ وَالضُّرِّ؛ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ، فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا؟ قَالَ: «إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً»، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَمِنَ الصُّوَرِ الْمُنْتَشِرَةِ لِلشِّرْكِ الْأَصْغَرِ: التَّشَاؤُمُ بِالْمَرْئِيَّاتِ أَوِ الْمَسْمُوعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، تِلْكَ الْعَادَةُ الْجَاهِلِيَّةُ، وَالْوَسِيلَةُ الشَّيْطَانِيَّةُ لِتَخْوِيفِ بَنِي آدَمَ وَإِيذَائِهِمْ؛ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ« ثَلَاثًا [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، فَالتَّطَيُّرُ وَالتَّشَاؤُمُ مَذْمُومٌ، يُضْعِفُ تَوَكُّلَ الْمُسْلِمِ عَلَى رَبِّهِ، وَيُعَلِّقُ النَّفْعَ وَالضُّرَّ عَلَى أَسْبَابٍ مَوْهُومَةٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا؛ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْد لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ خَطَرَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ عَظِيمٌ، وَأَثَرَهُ عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ؛ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي تَعْظِيمِ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ: «لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ وَأَنَا صَادِقٌ»، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنْ يَحْذَرَ مِنَ الشِّرْكِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَصُوَرِهِ، وَيَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ شَرِّهِ وَشُؤْمِ عَاقِبَتِهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ مِنْهُ فِي دُعَائِهِ وَيَقُولُ: »اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ« [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ]، وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ! لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟» قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَمِنْ أَكْبَرِ وَسَائِلِ الْحَذَرِ مِنَ الشِّرْكِ كَبِيرِهِ وَصَغِيرِهِ وَجَلِيِّهِ وَخَفِيِّهِ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَتَفْسِيرِهِ، وَمَعْرِفَةِ أَحَادِيثِ رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَأَخْذِ الْعِلْمِ عَنِ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ؛ فَالْعِلْمُ نُورٌ وَبَصِيرَةٌ، يَحْتَمِي بِهِ الْعَبْدُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي).

فَلْنَحْرِصْ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلْنَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ وَشِرْعَتِهِ، وَلْنَحْذَرْ مِنَ الشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ وَصُوَرِهِ، وَنَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ أَضْرَارِهِ وَخَطَرِهِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

معرض الصور

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت